خطبتا صلاة يوم الجمعة المصادف 27 / رجب الأصب / 1434 هـ
الخطبة الأولى:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم توكلت على الله ربِ العالمين والصلاةُ والسلامُ على محمدٍ واله الطيبين الطاهرين وعجل فرج آل بيت محمد يا رب العالمين ... ولذكرِ محمدٍ وآلهِ نرفعُ الأصوات بالصلوااااات ...
اللهم إني اَساَلُكَ بِكُلِّ دَعْوَة دَعاكَ بِها راج بَلَّغْتَهُ اَمَلَهُ، اَوْ صارِخ اِلَيْكَ اَغَثْتَ صَرْخَتَهُ، اَوْ مَلْهُوف مَكْرُوب فَرَّجْتَ كَرْبَهُ، اَوْ مُذْنِب خاطِئ غَفَرْتَ لَهُ، اَوْ مُعافىً اَتْمَمْتَ نِعْمَتَكَ عَلَيْهِ، اَوْ فَقير اَهْدَيْتَ غِناكَ اِلَيْهِ، إِلاّ صَلَّيْتَ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَقَضَيْتَ حَوائِجي حَوائِجَ الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ، وَهـذا رَجَبٌ الْمُرَجَّبُ الْمُكَرَّمُ الَّذي اَكْرَمْتَنا بِهِ اَوَّلُ اَشْهُرِ الْحُرُمِ، اَكْرَمْتَنا بِهِ مِنْ بَيْنِ الاْمَمِ، يا ذَا الْجُودِ وَالْكَرَمِ، فَنَسْأَلُكَ بِهِ وَبِاسْمِكَ الاْعْظَمِ الاْعْظَمِ الاْعْظَمِ الاْجَلِّ الاْكْرَمِ، الَّذي َخَلَقْتَهُ فَاسْتَقَرَّ في ظِلِّكَ فَلا يَخْرُجُ مِنْكَ اِلى غَيْرِكَ، اَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّد وَاَهْلِ بَيْتِهِ الطّاهِرينَ، وَتَجْعَلَنا مِنَ الْعامِلينَ فيهِ بِطاعَتِكَ، وَالاْمِلينَ فيهِ بِشَفاعَتِكَ،
عبادَ الله اتقوا اللهَ حقَ تقاتهِ ولا تموتُن إلا وانتم مسلمون ...
نزفُ أسمى آياتِ التهاني والتبريكاتِ الى مقامِ صاحبِ العصرِ والزمانِ الأمام المهدي عجل الله فرجه الشريف وسهل مخرجه والى سماحة المرجع الديني العراقي العربي السيد الصرخي دام ظله وجميع المسلمين في شتى بقاع الأرض بمناسبة ذكرى مبعث خاتم الأنبياء وسيد المرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله بشرف الصلاة على محمد وال محمد ، و نزفُ أسمى آياتِ التهاني والتبريكات بالذكرى العطرةِ لولادةِ مرجِعِنا سماحة السيد الصرخي الحسني دام ظله التي زامنت يومَ المبعثِ الشريف ببركة التكبير والصلوات ...
أيها المؤمنون أيتها المؤمنات:
في مثلِ هذا اليومِ بدأت البعثةُ وانطلقت الرسالةُ ... إن المبعث النبوي الشريف هو مبعثُ النورِ ومولدُ الرسالةِ والقرآنِ الكريم، وانطلاقةُ الحضارةِ الإسلاميةِ، ثم أن هذا اليوم هو يومُ عيدٍ ليس فقط للأمةِ الإسلاميةِ بل للبشريةِ جمعاء .. وبعثةُ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عمت بركتُها الكائنات ، فهذا اليومُ يحملُ ذكرى رسالةٍ خالدةٍ.. ذكرى مبعثِ النورِ والرحمةِ للعالمين .. يوم َ تشرفت الخلائقُ بالرحمةِ الالهيةِ التي انقذت البشريةَ جمعاءَ من ظلماتِ الكفر والاشراكِ الى حيثِ نورِ الهدايةِ والايمانِ وتجددَ ذلك النورِ وتلك الرحمةِ في الولادة الميمونةِ لسماحةِ المرجع الديني العراقي العربي السيد الصرخي الحسني دام ظله والذي هو امتدادٌ لذلك النورِ المحمديِ الاصيل الذي جسده على الواقعِ بتصديه لتحملِ اعباءِ المرجعيةِ وقيادةِ الامةِ الاسلاميةِ وما تكبده في سبيلِ ذلك من تضحيات جسامٍ أهلتهُ لتبوءِ هذا المقام الشريف ..وابتهاجا بهذا اليومِ المبارك نرفعُ اصواتَنا بالصلوات .
اخوتي المؤمنين اخواتي المؤمنات :
إن المرويَ عن أهلِ البيتِ (عليهم السلام) إن بعثةَ النبيِ (صلّى الله عليه وآله) كانت في السابعِ والعشرين من شهرِ رجب وهذا هو المشهور حيث ذكر المجلسي أن هذا هو ما حصلَ الإجماعُ عليهِ عند الشيعة ِالإماميةِ، وقيل: إنه (صلّى الله عليه وآله) بُعِثَ في شهرِ رمضانَ المبارك واختلفوا في أيِ يوم ٍمنه، وقيل في شهرِ ربيع الأولِ عند طائفةٍ من المسلمينَ .
إلا أن المشهوَر عليه عند علماءِ الاماميةِ القولُ بأن رسولَ اللّهِ صلّى اللّه عليه وآله بُعِث بالرسالةِ في السابعِ والعشرين من شهرِ رجبٍ، وأن نزولَ الوحيِ عليه قد بدأ من ذلك اليوم نفسِه بينما اشتهر عند بعضِ علماءِ المسلمين أن رسولَ الله قد اُوتي هذا المقامِ العظيمِ في شهرِ رمضانِ المباركِ ولعل هذا عائدٌ للاختلاف في فهمِ الآيات الدالةِ على نزولِ القرآنِ في ليلةِ القدرِ والخلطِ بينها وبين يومِ المبعثِ الشريف .
وعليه يمكن استخلاص نتيجةٍ مفادها انه لا مانع من أن يكونَ (صلّى الله عليه وآله) قد بُعث بالرسالةِ السماويةِ في شهرِ رجبٍ كما أخبر به أهلُ البيتِ (عليهم السلام) وهُيأ ليتلقى الوحيَ القرآنيَ كما عبرت الايةُ الكريمةُ (إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً) ثم بدأ نزول القرآن عليه تدريجياً في شهر رمضان المبارك .
إن هذه الذكرى العطرةِ تستوجبُ منا الوقوفَ بتأملٍ عند محطات ٍمن سيرتهِ صلى الله عليه وآله في الدعوةِ إلى الإسلامِ وتوحيدِ اللهِ تعالى، لنتأسى بها في جميعِ مراحل حياتِنا ولاسيما مرحلتنا الراهنة ونستوحي منها الكثيرَ من الدروسَ النافعةِ...
ان فلسفةَ المبعثِ النبويِ تجعلُ الانسانَ مرتبطا بالله تعالى عن طريقِ فهمِ المعاني المستبطنةِ من المبعثِ النبويٍ الشريفِ وتجعلُ من الانسانِ المؤمن محافظا على ديمومةِ الاتصالِ بذلك اليوم الذي يهيئ له فرصةَ تجديدِ الفهم الحضاريِ والرساليِ للاسلامِ الذي ينسجمُ مع المفاهيمِ الانسانيةِ السائدةِ في عصرِنا هذا من دونِ المساسِ او التخلي عن المبادئِ والمفاهيمَ الحقةِ للشريعة السماويةِ السمحاء .
التأثرُ بالسيرةِ النبويةِ المباركةِ والفضائلِ التي تحلى بها شخصَ النبي الاكرمِ والتي جعلته مهيئا لتلقي هذا التكليفُ الالهيُ المقدسُ ليكونَ حجةَ الله تعالى على العالمين فقد عُرِف بالصادقِ الامين ذي الاخلاقِ الساميةِ العالية ومنها استذكارُ صمودَ الرسولِ الكريم صلى الله عليه وآله وصبرَه ورفضَه لأيِ مساومةٍ على حسابِ المبادئ .
التضحيةُ في سبيلِ المبدأِ والحقِ، وتحملُ المشاقِ من أجلِ إعلاءِ كلمةِ الله تعالى والدعوةُ إليهِ وهذا يجعلُ الانسانِ على استعدادٍ كاملٍ للتضحيةِ من اجل قضيتهِ والتي هي امتدادٌ للحركةِ الرساليةِ التي دعا وضحى من اجلِها النبي الاعظمُ صلى الله عليه واله ومن بعدهِ الائمةِ الاطهارِ والتي ستقطف ثمارُها يانعةً في الظهورِ المقدسِ لصاحبِ الطلعةِ البهيةِ قائمِ الِ محمدٍ عجل الله تعالى فرجه الشريف .
إن ما تميزت به حياةُ النبيِ الرساليةِ اسلوبُ الحكمةِ والموعظةِ الحسنة والدعوةِ الحقةِ الى طريقِ الخيرِ والهدايةِ بما يناسب كلَ اذهانِ المجتمعِ على اختلافِ مستوياتِهم الذهنيةِ ولم يكن بينه وبين قبائلِ العربِ التي دعاها للاسلام ايةَ حواجزِ نفسيةِ او اجتماعيةِ وهذا ما علينا ان نستوحيهِ ونحن نمثل الخطِ الرساليِ لغرضِ التاثيرِ بمختلفِ طبقاتِ المجتمع ِحتى نكون دعاةُ حق صادقين باعمالِنا واقوالِنا .
أيها المبتهجون والمبتهجات بهذه الذكرى النورانية المباركة:
لقد نصّ القرآنُ الكريمُ على بشارةِ ابراهيمَ الخليل (عليه السلام) برسالةِ خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله) باسلوبِ الدعاءِ على لسانِ ابراهيمَ عليه السلام (ربَّنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلّمهم الكتاب والحكمة ويزكّيهم إنك أنت العزيز الحكيم(، كما صرّحَ القرآنِ الكريمِ بأنّ البشارةَ بنبوّةِ محمدٍ (صلى الله عليه وآله) الأميِ كانت موجودةً في العهدين القديم (التوراة) والجديد (الانجيل) والعهدين كانا في عصر نزولِ القرآنِ الكريمِ وظهورِ النبيِ محمدٍ (صلى الله عليه وآله) ولو لم تكن البشارة موجودةً فيهما لجاهر بتكذيبها أصحابُ العهدين وقد دل على ذلك قوله تعالى (الذين يتّبعون الرسولَ النبيَّ الاُمّيَ الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراةِ والإنجيلِ يأمرهم بالمعروفِ وينهاهم عن المنكرِ ويحلُ لهم الطيباتَ ويحرّمُ عليهم الخبائثَ ويضع عنهم إصرَهم والأغلالِ التي كانت عليهم).
وهكذا تسلسلت البشائرُ بنبوةِ خاتمِ النبيين محمدِ (صلى الله عليه وآله) من قبل ولادتهِ، وخلالِ فترةِ حياتهِ قبلَ بعثتهِ وقد شهدَ الامامُ عليٍ (عليه السلام) بهذه الحقيقة التأريخية حين قال في إحدى خطبه: "... الى أن بعثَ الله سبحانه محمداً رسول الله (صلى الله عليه وآله) لإنجازِ عِدَتِه واِتمام نبوّتِه، مأخوذاً على النبيين ميثاقه مشهورةً سِماتُه ...." .
السلامُ عليك يا صفوةَ اللهِ و خيرتهِ من خلقهِ السلام عليك يا أمينَ الله و حجته السلام عليك يا خاتمَ النبيين و سيدَ المرسلين السلام عليك أيها البشير النذير السلام عليك أيها الداعي إلى اللهِ و السراجِ المنير السلام عليك و على أهلِ بيتِك الذين أذهب الله عنهم الرجسَ و طهرهم تطهيرا .
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم بسم الله الرحمن الرحيم ((السورة)) صدق الله العلي العظيم وصدق رسوله الكريم ولذكره نرفعُ الأصوات بالصلوات ...
****************************** *******
الخطبة الثانية:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم وأحمده حمدا كثير وأثني عليه ثناءا جميلا والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين وعجل فرج آل بيت محمد يا رب العالمين ... ولذكر محمد وآله نرفع الأصوات بالصلوات ...
اَللّـهُمَّ َبارِكَ لَنا في يَوْمِنا هَذَا الَّذي فَضَّلْتَهُ، وَبِكَرامَتِكَ جَلَّلْتَهُ، وَبِالْمَنْزِلِ الْعظيمِ الاْعْلى اَنْزَلْتَهُ، صَلِّ عَلى مَنْ فيهِ اِلى عِبادِكَ اَرْسَلْتَهُ، وَبالْمحَلِّ الْكَريمِ اَحْلَلْتَهُ، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ صَلاةً دائِمَةً تَكُونُ لَكَ شُكْراً وَلنا ذُخراً، وَاجْعَلْ لَنا مِنْ اَمْرِنا يُسراً، وَاخْتِمْ لَنا بِالسَّعادَةِ اِلى مُنْتَهى آجالِنا، وَقَدْ قَبِلْتَ الْيسيرَ مِنْ اَعْمالِنا، وَبَلَّغْتَنا بِرَحْمَتِكَ اَفْضَلَ آمالِنا، اِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيء قَديرٌ، وَصَلَّى اللهُ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ وَسَلَّم .
اللّهُمَّ َصَلِّ عَلى محمد المصطفى وعَلِيٍّ المرتضى وفِاطِمَةَ الزهراء، وَصَلِّ اللهم عَلى سِبْطَي الرَّحْمَةِ وَإِمامَي الهُدى الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ ، وَصَلِّ اللّهُمَّ عَلى أَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ (السجاد والباقر) و(الصادق والكاظم) و(الرضا والجواد) و(الهادي والعسكري) وَ(الخَلَفِ الهادِي المَهْدِي)، حُجَجِكَ عَلى عِبادِكَ وَاُمَنائِكَ فِي بِلادِكِ صَلاةً كَثِيرَةً دائِمَة يغبطهم بها الأولون والآخرون ...
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وتابع بيننا وبينهم بالحسنات انك مجيب الدعوات قاضي الحاجات ...
قال اللهُ تعالى في كتابهِ المجيد: {سبحانَ الذي أسرى بعبدهِ ليلاً من المسجدِ الحرام إلى المسجدِ الأقصى الذي باركنا حوله لنريهِ من آياتِنا إنه هو السميعُ البصيرُ}. الإسراءُ والمعراجُ من مظاهرِ قدرةِ اللهِ في تكريمِ النبي (صلى الله عليه وآله).
ايها المؤمنون أيتها المؤمنات:
من المناسبِ ان نتحدثَ هنا عن حدثٍ إسلامي كبيرٍ ونعمةٍ الهيةٍ عظيمةٍ خَصَ بها نبيَنا الاعظمَ صلى الله عليه واله الا وهي حادثةُ الاسراءِ والمعراجِ ومن الثابتِ ان ليلةَ الاسراءِ هي ليلةُ السابعِ والعشرينِ من شهرِ رجبٍ ويومَ المبعث ِهو يومِ السابع والعشرين إلا ان الاسراءَ والمعراجَ حدثَ بعدَ المبعثِ النبويِ بقرابةِ العشرِ سنين فالمبعثُ متقدمٌ زمانا على الاسراءِ والمعراجِ ولكنهما تزامنا في وقتٍ واحدٍ بعد مرورِ كلِ تلك السنين .
فعندما نقفُ أمامَ ذكرى الإسراءِ، فإننا نستوحي من ذلك قدرةَ اللهِ والمعجزةَ التي حصلت للنبي (صلى الله عليه وآله)، حيث أسرى اللهُ تعالى به من مكةَ إلى بيت المقدس، من المسجدِ الحرام إلى المسجدِ الأقصى، في ساعةٍ واحدةٍ أو أقلِ من الساعةِ، مما لا يمكن اجتيازه في ذلك الوقتِ إلاّ بأيامٍ كثيرة، وكان ذلك الإسراء مظهراً لقدرة الله تعالى الله، وكرامةً منه لنبيهِ (صلى الله عليه وآله)، إذ أراد له تعالى في هذا الإسراءِ، أن ينفتحَ على آياتهِ في الأرض، وعلى كلِ النبواتِ والرسالاتِ، حيثُ جاءَ في السيرةِ، بأن اللهَ جمعَ له الأنبياءَ وصلّى بهم في بيتِ المقدسِ، ومن ذلك انطلقت قداسةُ بيتِ المقدسِ إسلامياً، كما انطلقت في خطِ الرسالات. وقد أراد الله تعالى للمسجدين الحرامِ والأقصى الذين انطلقا من موقعِ النبوة، أن يتواصلا في خط كلِ الرسالات، وأن يتعاونا في رعايةِ الرسالة والانفتاحِ على الله، و أن يعيشَ فيهما المؤمنون الدعاةُ إليه والعاملون في سبيله، لا الذين يعادون اللهَ ورسولَه والناسَ كافة ويقتلون النبيين بغيرِ حقٍ.
إننا عندما نقفُ في ذكرى الإسراءِ والمعراجِ، وهما مظهران لقدرةِ اللهِ وكرامة رسولهِ (صلى الله عليه وآله)، علينا أن ننفتح َعلى الله ِتعالى في ما أكرمَ به رسولِهِ، وننفتحُ عليه في مظهرِ القدرةِ الغيبيةِ التي توحي لنا بأن نؤمن بالغيبِ، لأن اللهَ تعالى هو المهيمنُ على الغيب ِكما هو المهيمنُ على الشهود.
وعندما تلتقي ذكرى الإسراءِ والمعراج، وهما منطلقان من قلبِ النبوّةِ، مع ذكرى النبوةِ في يومِ المبعثِ، فإن ذلك يحمّلنا مسؤوليةَ أن نعملَ على أساسِ الاستجابةِ لله وللرسولِ إذا دعانا إلى ما يحيينا، ولنكون من العاملينَ بالإسلام في كلِ حكمٍ شرعيٍ، بحيث إذا دعينا إلى حكمِ اللهِ ورسولهِ لا نعرضُ عنه كما علينا أن نربيَ أولادَنا على الإسلامِ ومبادئِه السمحاء، فعلى المسلمِ أن يفكرَ بتعميقِ الجانبِ الديني عند أهله وأولاده، كما يفكر بالجانب التعليمي والمادي لهم، ليجعلهم يعيشون عمق الإسلام وآفاقه، لأن الإنسانَ إذا خسرَ إسلامَه خسرَ الدنيا والآخرة، والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ.{
ايها المؤمنون أيتها المؤمنات:
بدأ النبيُ (صلى الله عليه وآله) رحلتَه الملكوتية من بيتِ «أُمّ هانىَ» أُخت الإِمام علي (عليه السلام) إلى بيتِ المقدسِ في فلسطينَ، والّذي يسمّى المسجدُ الأَقصى، وتفقّدَ صلى الله عليه واله بيتَ لحمٍ مسقطَ رأسِ السيّدِ المسيح (عليه السلام) ومنازلَ الأَنبياءِ وآثارَهم، وصلّى عندَ كلَّ محرابٍ ركعتين. ثمّ بدأ في القسم الثاني من رحلتهِ، المعراجَ إلى السماواتِ العلى، فشاهدَ النجومَ والكواكبَ، واطّلعَ على نظامِ العالمِ العلويِ، وتحدّثَ مع أرواحِ الأَنبياءِ والملائكةِ، واطلعَ على مراكزِ الرحمةِ والعذابِ ـ الجنّةُ والنارُ ـ ورأى درجاتِ أهلِ الجنّةِ، و تعرّفَ على أسرارِ الوجودِ ورموزِ الطبيعةِ، ووقفَ على سعةِ الكونِ وآثارِ القدرةِ الإِلهيةِ المطلقةِ، ثمّ واصلَ رحلتَهُ حتى بلغَ سدرةَ المنتهى، فوجدها مسربلةً بالعظمةِ المتناهيةِ والجلالِ العظيمِ. وهنا كان قد انتهى برنامجُ الرحلةِ، فأُمِرَ بالعودةِ من حيثُ أتى، فمرّ في طريقِ عودتِه، على بيتِ المقدسِ ثانيةً، ثمّ توجه نحوَ مكّةَ، مارّاً على قافلةٍ تجاريةٍ خاصّة بقريش، وبعيرٌ لهم قد ضلّ في البيداءِ يبحثون عنه، وشرب َمن مائِهم، ثمّ ترجّلَ عن مركبتِه الفضائيةِ ـ البراق ـ في بيت أُمّ هانىَ، قبل طلوعِ الفجرِ. فأخبرها بما حدثَ، كما كشفَ عنه في أنديةِ قريش صباحَ نفسِ تلك الليلة. إلاّ أنّ قريشاً كعادتِها كذّبته وأنكرته، على أساس عدمِ استطاعةِ النبيِ (صلى الله عليه وآله) القيامِ بذلك في ليلةٍ واحدةٍ، وطلبوا منه أن يصفَ بيتَ المقدسِ، فوصفَهُ النبيُ (صلى الله عليه وآله) وصفاً شاملاً، مع ما شاهده في الطريق، وخاصة قافلةُ قريشٍ، التي أكد لهم بأنّها الآن في موقعِ التنعيم، فلم تمض لحظات حتى طلعت عليهم القافلةُ، فحدّثهم أبو سفيان بكلّ ما أخبرهم به الرسولُ من ضياعِ بعيرهَم في الطريقِ والبحثِ ...
وأمّا بالنسبةِ لما قيل وذُكرَ عن معراجِ النبيِ (صلى الله عليه وآله) جسمانياً أو روحانياً، فقد قيل فيه الكثير، بالرغم من أنّ القرآن الكريم والأَحاديث النبوية تؤَكّد أنّ ذلك حدثَ جسمانياً، إلاّ أنّ بعضَ الآراءِ ترى أنّ ذلك وقع روحانياً، أي أنّ روح النبي (صلى الله عليه وآله) طافت في تلك العوالم ثمّ عادت إلى جسدهِ (صلى الله عليه وآله) مرّةً أُخرى، وذهبَ آخرون إلى أنّ كلَّ ذلك حدثَ في عالمِ الرؤيا، ورؤيا الأَنبياءِ صادقة إلا ان هذا الرايُ مردودٌ لوجودِ الكثيرِ من الرواياتِ التي تثبتُ عروجَهُ صلى الله عليه واله بجسدهِ . وربما دلّ تكذيبُ قريشٍ وانزعاجُها واستنكارُها لحديثِ الرسولِ (صلى الله عليه وآله) على أنّ ذلك حدثَ جسمانياً. وإذا كان المرادُ من المعراجِ الروحانيِ هو التفكيُر في عظمةِ الحقِّ وسعةِ الخلقِ والتدبرِ في مخلوقاتَ اللّهَ ومصنوعاتَه ومشاهدةَ جمالَه وجلالَه في هذه العظمة، فلا شكّ أنّ ذلك ليس من خصائصِ رسولِنا الأَكرم (صلى الله عليه وآله) بل إنّ كثيراً من الأَنبياء ِوالأَولياءِ امتلكوا هذه المرتبة ، بينما أعتبره القرآنُ الكريمُ من خصائصِه (صلى الله عليه وآله) ونوعا من الامتيازِ الخاصِ به. كما أن حالةَ التفكيرِ في عظمةِ الخالق والاستغراقِ في التوجهِ إليه، كانت تتكررُ للرسولِ «صلى الله عليه وآله» في كلِّ ليلة، وليس ليلةً بعينِها كما جرى وحدث في المعراج.
اخوتي المؤمنين اخواتي المؤمنات.
أراد الله سبحانه وتعالى لرسولهِ من خلالِ الإسراءِ أن يريه آياتَ الأرضِ، ومن خلالِ المعراجِ أن يريه آياتَ السماءِ، لتنطلقُ ثقافةُ الرسولِ في المعرفةِ الواسعة ِلآياتِ الأرضِ في خطِّ ِالرسالةِ، وفي المعرفةِ الواسعةِ لآياتِ اللهِ في سمائِه في خطِّ المعرفةِ.
فلنأخذُ من ذكرى المبعثِ النبويِ المباركِ وذكرى الإسراءِ والمعراجِ نبراسا لنا نهتدي به في ظلماتِ الاوهامِ لا سيما ونحن نعيشُ في بلدِنا هذا وهو يعاني الازماتَ والنكباتَ وسوءِ الاوضاعِ السياسيةِ والخدميةِ فليكن المبعثُ النبويُ مبعثا للنورِ والهدايةِ وليكن الاسراءُ والمعراجُ معراجا لنا في التطورِ العلميِ والتكنلوجي والصناعيِ ونوجهُ خطابَنا الى جميعِ رجالاتِ السياسةِ في العراقِ بان يحذو حذو البلدانِ الصناعيةِ التي تقدمت وقدمت لشعوبِها كلَ وسائلِ العيشِ والرفاهيةِ وان يكونوا بمعزلٍ عن الاوضاعِ المترديةِ في المنطقةِ وان لا تؤثر الاحداثُ السياسيةُ المرتبكةُ في دولِ المنطقةِ تاثيرا سلبيا على الشعبِ العراقيِ وان لا يكون العراقُ محلا للنزاعاتِ والخلافاتِ السياسيةِ وان لا يكونَ حلبةُ الصراعِ للدولِ المتنازعةِ ابعدوا بلدَكم ولا تزجوا انفسَكم بما لا شأن لكم به والتفتوا الى شعبِكم الذي ذاقَ ذرعا من هولِ القتلِ والمفخخاتِ وانعدام ِالأمن ِوالأمانِ لسنواتٍ طوالٍ يرحمنا ويرحمكم الله .
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم بسم الله الرحمن الرحيم ((السورة)) صدق الله العلي العظيم وصدق رسوله الكريم ولذكره نرفعُ الأصوات بالصلوات
الخطبة الأولى:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم توكلت على الله ربِ العالمين والصلاةُ والسلامُ على محمدٍ واله الطيبين الطاهرين وعجل فرج آل بيت محمد يا رب العالمين ... ولذكرِ محمدٍ وآلهِ نرفعُ الأصوات بالصلوااااات ...
اللهم إني اَساَلُكَ بِكُلِّ دَعْوَة دَعاكَ بِها راج بَلَّغْتَهُ اَمَلَهُ، اَوْ صارِخ اِلَيْكَ اَغَثْتَ صَرْخَتَهُ، اَوْ مَلْهُوف مَكْرُوب فَرَّجْتَ كَرْبَهُ، اَوْ مُذْنِب خاطِئ غَفَرْتَ لَهُ، اَوْ مُعافىً اَتْمَمْتَ نِعْمَتَكَ عَلَيْهِ، اَوْ فَقير اَهْدَيْتَ غِناكَ اِلَيْهِ، إِلاّ صَلَّيْتَ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَقَضَيْتَ حَوائِجي حَوائِجَ الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ، وَهـذا رَجَبٌ الْمُرَجَّبُ الْمُكَرَّمُ الَّذي اَكْرَمْتَنا بِهِ اَوَّلُ اَشْهُرِ الْحُرُمِ، اَكْرَمْتَنا بِهِ مِنْ بَيْنِ الاْمَمِ، يا ذَا الْجُودِ وَالْكَرَمِ، فَنَسْأَلُكَ بِهِ وَبِاسْمِكَ الاْعْظَمِ الاْعْظَمِ الاْعْظَمِ الاْجَلِّ الاْكْرَمِ، الَّذي َخَلَقْتَهُ فَاسْتَقَرَّ في ظِلِّكَ فَلا يَخْرُجُ مِنْكَ اِلى غَيْرِكَ، اَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّد وَاَهْلِ بَيْتِهِ الطّاهِرينَ، وَتَجْعَلَنا مِنَ الْعامِلينَ فيهِ بِطاعَتِكَ، وَالاْمِلينَ فيهِ بِشَفاعَتِكَ،
عبادَ الله اتقوا اللهَ حقَ تقاتهِ ولا تموتُن إلا وانتم مسلمون ...
نزفُ أسمى آياتِ التهاني والتبريكاتِ الى مقامِ صاحبِ العصرِ والزمانِ الأمام المهدي عجل الله فرجه الشريف وسهل مخرجه والى سماحة المرجع الديني العراقي العربي السيد الصرخي دام ظله وجميع المسلمين في شتى بقاع الأرض بمناسبة ذكرى مبعث خاتم الأنبياء وسيد المرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله بشرف الصلاة على محمد وال محمد ، و نزفُ أسمى آياتِ التهاني والتبريكات بالذكرى العطرةِ لولادةِ مرجِعِنا سماحة السيد الصرخي الحسني دام ظله التي زامنت يومَ المبعثِ الشريف ببركة التكبير والصلوات ...
أيها المؤمنون أيتها المؤمنات:
في مثلِ هذا اليومِ بدأت البعثةُ وانطلقت الرسالةُ ... إن المبعث النبوي الشريف هو مبعثُ النورِ ومولدُ الرسالةِ والقرآنِ الكريم، وانطلاقةُ الحضارةِ الإسلاميةِ، ثم أن هذا اليوم هو يومُ عيدٍ ليس فقط للأمةِ الإسلاميةِ بل للبشريةِ جمعاء .. وبعثةُ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عمت بركتُها الكائنات ، فهذا اليومُ يحملُ ذكرى رسالةٍ خالدةٍ.. ذكرى مبعثِ النورِ والرحمةِ للعالمين .. يوم َ تشرفت الخلائقُ بالرحمةِ الالهيةِ التي انقذت البشريةَ جمعاءَ من ظلماتِ الكفر والاشراكِ الى حيثِ نورِ الهدايةِ والايمانِ وتجددَ ذلك النورِ وتلك الرحمةِ في الولادة الميمونةِ لسماحةِ المرجع الديني العراقي العربي السيد الصرخي الحسني دام ظله والذي هو امتدادٌ لذلك النورِ المحمديِ الاصيل الذي جسده على الواقعِ بتصديه لتحملِ اعباءِ المرجعيةِ وقيادةِ الامةِ الاسلاميةِ وما تكبده في سبيلِ ذلك من تضحيات جسامٍ أهلتهُ لتبوءِ هذا المقام الشريف ..وابتهاجا بهذا اليومِ المبارك نرفعُ اصواتَنا بالصلوات .
اخوتي المؤمنين اخواتي المؤمنات :
إن المرويَ عن أهلِ البيتِ (عليهم السلام) إن بعثةَ النبيِ (صلّى الله عليه وآله) كانت في السابعِ والعشرين من شهرِ رجب وهذا هو المشهور حيث ذكر المجلسي أن هذا هو ما حصلَ الإجماعُ عليهِ عند الشيعة ِالإماميةِ، وقيل: إنه (صلّى الله عليه وآله) بُعِثَ في شهرِ رمضانَ المبارك واختلفوا في أيِ يوم ٍمنه، وقيل في شهرِ ربيع الأولِ عند طائفةٍ من المسلمينَ .
إلا أن المشهوَر عليه عند علماءِ الاماميةِ القولُ بأن رسولَ اللّهِ صلّى اللّه عليه وآله بُعِث بالرسالةِ في السابعِ والعشرين من شهرِ رجبٍ، وأن نزولَ الوحيِ عليه قد بدأ من ذلك اليوم نفسِه بينما اشتهر عند بعضِ علماءِ المسلمين أن رسولَ الله قد اُوتي هذا المقامِ العظيمِ في شهرِ رمضانِ المباركِ ولعل هذا عائدٌ للاختلاف في فهمِ الآيات الدالةِ على نزولِ القرآنِ في ليلةِ القدرِ والخلطِ بينها وبين يومِ المبعثِ الشريف .
وعليه يمكن استخلاص نتيجةٍ مفادها انه لا مانع من أن يكونَ (صلّى الله عليه وآله) قد بُعث بالرسالةِ السماويةِ في شهرِ رجبٍ كما أخبر به أهلُ البيتِ (عليهم السلام) وهُيأ ليتلقى الوحيَ القرآنيَ كما عبرت الايةُ الكريمةُ (إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً) ثم بدأ نزول القرآن عليه تدريجياً في شهر رمضان المبارك .
إن هذه الذكرى العطرةِ تستوجبُ منا الوقوفَ بتأملٍ عند محطات ٍمن سيرتهِ صلى الله عليه وآله في الدعوةِ إلى الإسلامِ وتوحيدِ اللهِ تعالى، لنتأسى بها في جميعِ مراحل حياتِنا ولاسيما مرحلتنا الراهنة ونستوحي منها الكثيرَ من الدروسَ النافعةِ...
ان فلسفةَ المبعثِ النبويِ تجعلُ الانسانَ مرتبطا بالله تعالى عن طريقِ فهمِ المعاني المستبطنةِ من المبعثِ النبويٍ الشريفِ وتجعلُ من الانسانِ المؤمن محافظا على ديمومةِ الاتصالِ بذلك اليوم الذي يهيئ له فرصةَ تجديدِ الفهم الحضاريِ والرساليِ للاسلامِ الذي ينسجمُ مع المفاهيمِ الانسانيةِ السائدةِ في عصرِنا هذا من دونِ المساسِ او التخلي عن المبادئِ والمفاهيمَ الحقةِ للشريعة السماويةِ السمحاء .
التأثرُ بالسيرةِ النبويةِ المباركةِ والفضائلِ التي تحلى بها شخصَ النبي الاكرمِ والتي جعلته مهيئا لتلقي هذا التكليفُ الالهيُ المقدسُ ليكونَ حجةَ الله تعالى على العالمين فقد عُرِف بالصادقِ الامين ذي الاخلاقِ الساميةِ العالية ومنها استذكارُ صمودَ الرسولِ الكريم صلى الله عليه وآله وصبرَه ورفضَه لأيِ مساومةٍ على حسابِ المبادئ .
التضحيةُ في سبيلِ المبدأِ والحقِ، وتحملُ المشاقِ من أجلِ إعلاءِ كلمةِ الله تعالى والدعوةُ إليهِ وهذا يجعلُ الانسانِ على استعدادٍ كاملٍ للتضحيةِ من اجل قضيتهِ والتي هي امتدادٌ للحركةِ الرساليةِ التي دعا وضحى من اجلِها النبي الاعظمُ صلى الله عليه واله ومن بعدهِ الائمةِ الاطهارِ والتي ستقطف ثمارُها يانعةً في الظهورِ المقدسِ لصاحبِ الطلعةِ البهيةِ قائمِ الِ محمدٍ عجل الله تعالى فرجه الشريف .
إن ما تميزت به حياةُ النبيِ الرساليةِ اسلوبُ الحكمةِ والموعظةِ الحسنة والدعوةِ الحقةِ الى طريقِ الخيرِ والهدايةِ بما يناسب كلَ اذهانِ المجتمعِ على اختلافِ مستوياتِهم الذهنيةِ ولم يكن بينه وبين قبائلِ العربِ التي دعاها للاسلام ايةَ حواجزِ نفسيةِ او اجتماعيةِ وهذا ما علينا ان نستوحيهِ ونحن نمثل الخطِ الرساليِ لغرضِ التاثيرِ بمختلفِ طبقاتِ المجتمع ِحتى نكون دعاةُ حق صادقين باعمالِنا واقوالِنا .
أيها المبتهجون والمبتهجات بهذه الذكرى النورانية المباركة:
لقد نصّ القرآنُ الكريمُ على بشارةِ ابراهيمَ الخليل (عليه السلام) برسالةِ خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله) باسلوبِ الدعاءِ على لسانِ ابراهيمَ عليه السلام (ربَّنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلّمهم الكتاب والحكمة ويزكّيهم إنك أنت العزيز الحكيم(، كما صرّحَ القرآنِ الكريمِ بأنّ البشارةَ بنبوّةِ محمدٍ (صلى الله عليه وآله) الأميِ كانت موجودةً في العهدين القديم (التوراة) والجديد (الانجيل) والعهدين كانا في عصر نزولِ القرآنِ الكريمِ وظهورِ النبيِ محمدٍ (صلى الله عليه وآله) ولو لم تكن البشارة موجودةً فيهما لجاهر بتكذيبها أصحابُ العهدين وقد دل على ذلك قوله تعالى (الذين يتّبعون الرسولَ النبيَّ الاُمّيَ الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراةِ والإنجيلِ يأمرهم بالمعروفِ وينهاهم عن المنكرِ ويحلُ لهم الطيباتَ ويحرّمُ عليهم الخبائثَ ويضع عنهم إصرَهم والأغلالِ التي كانت عليهم).
وهكذا تسلسلت البشائرُ بنبوةِ خاتمِ النبيين محمدِ (صلى الله عليه وآله) من قبل ولادتهِ، وخلالِ فترةِ حياتهِ قبلَ بعثتهِ وقد شهدَ الامامُ عليٍ (عليه السلام) بهذه الحقيقة التأريخية حين قال في إحدى خطبه: "... الى أن بعثَ الله سبحانه محمداً رسول الله (صلى الله عليه وآله) لإنجازِ عِدَتِه واِتمام نبوّتِه، مأخوذاً على النبيين ميثاقه مشهورةً سِماتُه ...." .
السلامُ عليك يا صفوةَ اللهِ و خيرتهِ من خلقهِ السلام عليك يا أمينَ الله و حجته السلام عليك يا خاتمَ النبيين و سيدَ المرسلين السلام عليك أيها البشير النذير السلام عليك أيها الداعي إلى اللهِ و السراجِ المنير السلام عليك و على أهلِ بيتِك الذين أذهب الله عنهم الرجسَ و طهرهم تطهيرا .
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم بسم الله الرحمن الرحيم ((السورة)) صدق الله العلي العظيم وصدق رسوله الكريم ولذكره نرفعُ الأصوات بالصلوات ...
******************************
الخطبة الثانية:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم وأحمده حمدا كثير وأثني عليه ثناءا جميلا والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين وعجل فرج آل بيت محمد يا رب العالمين ... ولذكر محمد وآله نرفع الأصوات بالصلوات ...
اَللّـهُمَّ َبارِكَ لَنا في يَوْمِنا هَذَا الَّذي فَضَّلْتَهُ، وَبِكَرامَتِكَ جَلَّلْتَهُ، وَبِالْمَنْزِلِ الْعظيمِ الاْعْلى اَنْزَلْتَهُ، صَلِّ عَلى مَنْ فيهِ اِلى عِبادِكَ اَرْسَلْتَهُ، وَبالْمحَلِّ الْكَريمِ اَحْلَلْتَهُ، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ صَلاةً دائِمَةً تَكُونُ لَكَ شُكْراً وَلنا ذُخراً، وَاجْعَلْ لَنا مِنْ اَمْرِنا يُسراً، وَاخْتِمْ لَنا بِالسَّعادَةِ اِلى مُنْتَهى آجالِنا، وَقَدْ قَبِلْتَ الْيسيرَ مِنْ اَعْمالِنا، وَبَلَّغْتَنا بِرَحْمَتِكَ اَفْضَلَ آمالِنا، اِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيء قَديرٌ، وَصَلَّى اللهُ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ وَسَلَّم .
اللّهُمَّ َصَلِّ عَلى محمد المصطفى وعَلِيٍّ المرتضى وفِاطِمَةَ الزهراء، وَصَلِّ اللهم عَلى سِبْطَي الرَّحْمَةِ وَإِمامَي الهُدى الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ ، وَصَلِّ اللّهُمَّ عَلى أَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ (السجاد والباقر) و(الصادق والكاظم) و(الرضا والجواد) و(الهادي والعسكري) وَ(الخَلَفِ الهادِي المَهْدِي)، حُجَجِكَ عَلى عِبادِكَ وَاُمَنائِكَ فِي بِلادِكِ صَلاةً كَثِيرَةً دائِمَة يغبطهم بها الأولون والآخرون ...
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وتابع بيننا وبينهم بالحسنات انك مجيب الدعوات قاضي الحاجات ...
قال اللهُ تعالى في كتابهِ المجيد: {سبحانَ الذي أسرى بعبدهِ ليلاً من المسجدِ الحرام إلى المسجدِ الأقصى الذي باركنا حوله لنريهِ من آياتِنا إنه هو السميعُ البصيرُ}. الإسراءُ والمعراجُ من مظاهرِ قدرةِ اللهِ في تكريمِ النبي (صلى الله عليه وآله).
ايها المؤمنون أيتها المؤمنات:
من المناسبِ ان نتحدثَ هنا عن حدثٍ إسلامي كبيرٍ ونعمةٍ الهيةٍ عظيمةٍ خَصَ بها نبيَنا الاعظمَ صلى الله عليه واله الا وهي حادثةُ الاسراءِ والمعراجِ ومن الثابتِ ان ليلةَ الاسراءِ هي ليلةُ السابعِ والعشرينِ من شهرِ رجبٍ ويومَ المبعث ِهو يومِ السابع والعشرين إلا ان الاسراءَ والمعراجَ حدثَ بعدَ المبعثِ النبويِ بقرابةِ العشرِ سنين فالمبعثُ متقدمٌ زمانا على الاسراءِ والمعراجِ ولكنهما تزامنا في وقتٍ واحدٍ بعد مرورِ كلِ تلك السنين .
فعندما نقفُ أمامَ ذكرى الإسراءِ، فإننا نستوحي من ذلك قدرةَ اللهِ والمعجزةَ التي حصلت للنبي (صلى الله عليه وآله)، حيث أسرى اللهُ تعالى به من مكةَ إلى بيت المقدس، من المسجدِ الحرام إلى المسجدِ الأقصى، في ساعةٍ واحدةٍ أو أقلِ من الساعةِ، مما لا يمكن اجتيازه في ذلك الوقتِ إلاّ بأيامٍ كثيرة، وكان ذلك الإسراء مظهراً لقدرة الله تعالى الله، وكرامةً منه لنبيهِ (صلى الله عليه وآله)، إذ أراد له تعالى في هذا الإسراءِ، أن ينفتحَ على آياتهِ في الأرض، وعلى كلِ النبواتِ والرسالاتِ، حيثُ جاءَ في السيرةِ، بأن اللهَ جمعَ له الأنبياءَ وصلّى بهم في بيتِ المقدسِ، ومن ذلك انطلقت قداسةُ بيتِ المقدسِ إسلامياً، كما انطلقت في خطِ الرسالات. وقد أراد الله تعالى للمسجدين الحرامِ والأقصى الذين انطلقا من موقعِ النبوة، أن يتواصلا في خط كلِ الرسالات، وأن يتعاونا في رعايةِ الرسالة والانفتاحِ على الله، و أن يعيشَ فيهما المؤمنون الدعاةُ إليه والعاملون في سبيله، لا الذين يعادون اللهَ ورسولَه والناسَ كافة ويقتلون النبيين بغيرِ حقٍ.
إننا عندما نقفُ في ذكرى الإسراءِ والمعراجِ، وهما مظهران لقدرةِ اللهِ وكرامة رسولهِ (صلى الله عليه وآله)، علينا أن ننفتح َعلى الله ِتعالى في ما أكرمَ به رسولِهِ، وننفتحُ عليه في مظهرِ القدرةِ الغيبيةِ التي توحي لنا بأن نؤمن بالغيبِ، لأن اللهَ تعالى هو المهيمنُ على الغيب ِكما هو المهيمنُ على الشهود.
وعندما تلتقي ذكرى الإسراءِ والمعراج، وهما منطلقان من قلبِ النبوّةِ، مع ذكرى النبوةِ في يومِ المبعثِ، فإن ذلك يحمّلنا مسؤوليةَ أن نعملَ على أساسِ الاستجابةِ لله وللرسولِ إذا دعانا إلى ما يحيينا، ولنكون من العاملينَ بالإسلام في كلِ حكمٍ شرعيٍ، بحيث إذا دعينا إلى حكمِ اللهِ ورسولهِ لا نعرضُ عنه كما علينا أن نربيَ أولادَنا على الإسلامِ ومبادئِه السمحاء، فعلى المسلمِ أن يفكرَ بتعميقِ الجانبِ الديني عند أهله وأولاده، كما يفكر بالجانب التعليمي والمادي لهم، ليجعلهم يعيشون عمق الإسلام وآفاقه، لأن الإنسانَ إذا خسرَ إسلامَه خسرَ الدنيا والآخرة، والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ.{
ايها المؤمنون أيتها المؤمنات:
بدأ النبيُ (صلى الله عليه وآله) رحلتَه الملكوتية من بيتِ «أُمّ هانىَ» أُخت الإِمام علي (عليه السلام) إلى بيتِ المقدسِ في فلسطينَ، والّذي يسمّى المسجدُ الأَقصى، وتفقّدَ صلى الله عليه واله بيتَ لحمٍ مسقطَ رأسِ السيّدِ المسيح (عليه السلام) ومنازلَ الأَنبياءِ وآثارَهم، وصلّى عندَ كلَّ محرابٍ ركعتين. ثمّ بدأ في القسم الثاني من رحلتهِ، المعراجَ إلى السماواتِ العلى، فشاهدَ النجومَ والكواكبَ، واطّلعَ على نظامِ العالمِ العلويِ، وتحدّثَ مع أرواحِ الأَنبياءِ والملائكةِ، واطلعَ على مراكزِ الرحمةِ والعذابِ ـ الجنّةُ والنارُ ـ ورأى درجاتِ أهلِ الجنّةِ، و تعرّفَ على أسرارِ الوجودِ ورموزِ الطبيعةِ، ووقفَ على سعةِ الكونِ وآثارِ القدرةِ الإِلهيةِ المطلقةِ، ثمّ واصلَ رحلتَهُ حتى بلغَ سدرةَ المنتهى، فوجدها مسربلةً بالعظمةِ المتناهيةِ والجلالِ العظيمِ. وهنا كان قد انتهى برنامجُ الرحلةِ، فأُمِرَ بالعودةِ من حيثُ أتى، فمرّ في طريقِ عودتِه، على بيتِ المقدسِ ثانيةً، ثمّ توجه نحوَ مكّةَ، مارّاً على قافلةٍ تجاريةٍ خاصّة بقريش، وبعيرٌ لهم قد ضلّ في البيداءِ يبحثون عنه، وشرب َمن مائِهم، ثمّ ترجّلَ عن مركبتِه الفضائيةِ ـ البراق ـ في بيت أُمّ هانىَ، قبل طلوعِ الفجرِ. فأخبرها بما حدثَ، كما كشفَ عنه في أنديةِ قريش صباحَ نفسِ تلك الليلة. إلاّ أنّ قريشاً كعادتِها كذّبته وأنكرته، على أساس عدمِ استطاعةِ النبيِ (صلى الله عليه وآله) القيامِ بذلك في ليلةٍ واحدةٍ، وطلبوا منه أن يصفَ بيتَ المقدسِ، فوصفَهُ النبيُ (صلى الله عليه وآله) وصفاً شاملاً، مع ما شاهده في الطريق، وخاصة قافلةُ قريشٍ، التي أكد لهم بأنّها الآن في موقعِ التنعيم، فلم تمض لحظات حتى طلعت عليهم القافلةُ، فحدّثهم أبو سفيان بكلّ ما أخبرهم به الرسولُ من ضياعِ بعيرهَم في الطريقِ والبحثِ ...
وأمّا بالنسبةِ لما قيل وذُكرَ عن معراجِ النبيِ (صلى الله عليه وآله) جسمانياً أو روحانياً، فقد قيل فيه الكثير، بالرغم من أنّ القرآن الكريم والأَحاديث النبوية تؤَكّد أنّ ذلك حدثَ جسمانياً، إلاّ أنّ بعضَ الآراءِ ترى أنّ ذلك وقع روحانياً، أي أنّ روح النبي (صلى الله عليه وآله) طافت في تلك العوالم ثمّ عادت إلى جسدهِ (صلى الله عليه وآله) مرّةً أُخرى، وذهبَ آخرون إلى أنّ كلَّ ذلك حدثَ في عالمِ الرؤيا، ورؤيا الأَنبياءِ صادقة إلا ان هذا الرايُ مردودٌ لوجودِ الكثيرِ من الرواياتِ التي تثبتُ عروجَهُ صلى الله عليه واله بجسدهِ . وربما دلّ تكذيبُ قريشٍ وانزعاجُها واستنكارُها لحديثِ الرسولِ (صلى الله عليه وآله) على أنّ ذلك حدثَ جسمانياً. وإذا كان المرادُ من المعراجِ الروحانيِ هو التفكيُر في عظمةِ الحقِّ وسعةِ الخلقِ والتدبرِ في مخلوقاتَ اللّهَ ومصنوعاتَه ومشاهدةَ جمالَه وجلالَه في هذه العظمة، فلا شكّ أنّ ذلك ليس من خصائصِ رسولِنا الأَكرم (صلى الله عليه وآله) بل إنّ كثيراً من الأَنبياء ِوالأَولياءِ امتلكوا هذه المرتبة ، بينما أعتبره القرآنُ الكريمُ من خصائصِه (صلى الله عليه وآله) ونوعا من الامتيازِ الخاصِ به. كما أن حالةَ التفكيرِ في عظمةِ الخالق والاستغراقِ في التوجهِ إليه، كانت تتكررُ للرسولِ «صلى الله عليه وآله» في كلِّ ليلة، وليس ليلةً بعينِها كما جرى وحدث في المعراج.
اخوتي المؤمنين اخواتي المؤمنات.
أراد الله سبحانه وتعالى لرسولهِ من خلالِ الإسراءِ أن يريه آياتَ الأرضِ، ومن خلالِ المعراجِ أن يريه آياتَ السماءِ، لتنطلقُ ثقافةُ الرسولِ في المعرفةِ الواسعة ِلآياتِ الأرضِ في خطِّ ِالرسالةِ، وفي المعرفةِ الواسعةِ لآياتِ اللهِ في سمائِه في خطِّ المعرفةِ.
فلنأخذُ من ذكرى المبعثِ النبويِ المباركِ وذكرى الإسراءِ والمعراجِ نبراسا لنا نهتدي به في ظلماتِ الاوهامِ لا سيما ونحن نعيشُ في بلدِنا هذا وهو يعاني الازماتَ والنكباتَ وسوءِ الاوضاعِ السياسيةِ والخدميةِ فليكن المبعثُ النبويُ مبعثا للنورِ والهدايةِ وليكن الاسراءُ والمعراجُ معراجا لنا في التطورِ العلميِ والتكنلوجي والصناعيِ ونوجهُ خطابَنا الى جميعِ رجالاتِ السياسةِ في العراقِ بان يحذو حذو البلدانِ الصناعيةِ التي تقدمت وقدمت لشعوبِها كلَ وسائلِ العيشِ والرفاهيةِ وان يكونوا بمعزلٍ عن الاوضاعِ المترديةِ في المنطقةِ وان لا تؤثر الاحداثُ السياسيةُ المرتبكةُ في دولِ المنطقةِ تاثيرا سلبيا على الشعبِ العراقيِ وان لا يكون العراقُ محلا للنزاعاتِ والخلافاتِ السياسيةِ وان لا يكونَ حلبةُ الصراعِ للدولِ المتنازعةِ ابعدوا بلدَكم ولا تزجوا انفسَكم بما لا شأن لكم به والتفتوا الى شعبِكم الذي ذاقَ ذرعا من هولِ القتلِ والمفخخاتِ وانعدام ِالأمن ِوالأمانِ لسنواتٍ طوالٍ يرحمنا ويرحمكم الله .
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم بسم الله الرحمن الرحيم ((السورة)) صدق الله العلي العظيم وصدق رسوله الكريم ولذكره نرفعُ الأصوات بالصلوات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق